في فتنة القصة!


المصالحة النهائية بين الشّكل والمضمون تجد تحقّقها في القصة؛ الجنس الأدبيّ الذي يستحيل إلقاؤه أو حكيه. فإذا ما استثنينا الممارسات المدرسية ذات الأهداف البيداغوجية المحض، لا سبيل إلى تلخيص القصّة أو كتابتها بشكل مغاير؛ القصة انحفار المضمون في الشكل وتَجسّد الشّكل في المضمون. 
لنقُل إنّ القصة لا تحتاجُ تقنيةً لتَنقُل مضموناً تفترض أنّه قابل للنقل: القصّة هي نفسها التقنية.
*****

ما تستطيع حكيَهُ، لا تكتبه قصّة.
*****


في القصة كلّ جزء وكلّ تفصيل يبرّر الكلّ، وكلّ تغيير مهما كان جزئياً يخلخل النظام كاملاً. هكذا إذا غيّرنا، محضَ سذاجة، اسم موسى في قصّة "ممّوؤثى" لأحمد بوزفور تتخلخل بنية اللّغة وتتقطّع أواصر الإحالة وتتضرّر الأسطورة، وقد يتغيّر نظام الكون.
*****

لهذه التفاصيل الدقيقة التي تتجاوز المضمون العام ينبغي أن ينصت مترجم القصة، لأنّها وحدها تبرّر كتابة القصّة. ويُرينا العظيمُ هونري ميشونيك، الذي قارب الترجمات الفرنسية لقصص كافكا، كيف أنّ ألكسندر فيالات وبعده كلود دافيد، قد أخلفا الموعد مع قصص كافكا، حين لم ينتبها إلى أنّ تكرار كلمة أو استعمال مرادفين لكلمة واحدة هو ما يصنع القصةّ وليس الحدثُ ما يصنعها.
 في ترجمتهما لقصّة المرأة الصغيرة La petite femme مجرّد التخفيف من حدّة التخفي المقصود الذي يمارسه كافكا على المرأة، يمحو كلّ فرادة النّص. المرأة التي اختفت في نص كافكا اختفت أيضا في تعابيره، لهذا فإنّ ترجمة كلمة مثل "اليد" إلى "يد المرأة" أو المرأة" إلى "هذه المرأة"، وهو ما قام به المترجمان، يصنع نصاً آخر غير نص كافكا، نصّاً تظهر فيه المرأة بدل أن تختفي!
*****

يُصرّ علماء الفيزياء اليوم، ضداً على الحسّ المشترك، على أنّ هذا الكون مهما امتدّ هو محدود ومتناه في آخر المطاف. مثلما يحلو للمولعين بالرقص على حبال المنطق أن يمعنوا في تقسيم المسافات لبيان أنّها غير قابلة للانتهاء، أيّ شيء مهما بلغت درجة صغره قابل لأن ينقسم إلى ما لا نهاية.
ورغم هذا مازال نقاش الحجم والطول يطغى على مقارباتنا للقصّة.
كيف يسكن اللاتناهي داخل المتناهي، وكيف تنتهي المسافات الشاسعة عند حدود المادة؟ هذا ما ينبغي أن ينتبه إليه نقادنا اليوم.
*****
  
المرأة الفاتنة كلّما ازداد قصرها ازداد اشرئبابها نحو السماء، كذلك القصة في قصرها امتدادٌ، مهما قصرت تستطيل لتفيض على الفضاء.
*****

القصّة هي الكتابة لا تتشابه، هي الكتابة لا تتكرّر.
*****

كتابٌ قصصي على طريقة "كاميلو ثيلا": أحدى عشرة قصّةً في كتاب واحد، معنون بـ"إحدى عشرة حكاية عن كرة القدم"، أحد عشر بطلاً بعدد لاعبي اللّعبة، كلّ بطل من زمن، لكل واحد طريقه الخاصة، بعضهم حتّى ربما لم يسمع عن شيء اسمه كرة القدم.. لكنّ تفصيلا تافهاً نشازاً يظهر ويختفي في القصة، مرور البطل مثلاً، وهو في طريقه إلى الكنيسة بأطفال يلعبون الكُرة، هذا التفصيل هو ما يضيء كيراعة ليلَ الكتاب.
مثل هذا الكتاب هو ما تحلم القصّة بسكناه.
 *****

ضداً على لويس بريتو غارسيا: احتاجَ أربعا وستين أطروحة، ما يناهز مائة سطر ليُقنعنا بأنّ سطراً واحداً، قصّة قصيرة جداً، هي ما يختزلُ كلّ شيء. في جلّ أطروحاته انتصار لخفّة لكم تكن لتتحقّق لولا الثقل، الثقل الذي يقصيه بطبيعة الحال. وحدهُ حدّ السيف يجرح لأنّه بُرد إلى حدوده القصوى؛ والنجمة، النقطة الدقيقة في الفضاء تضيء بفضل شرارتها على انفراد، ولسنا نعيش سوى اللّحظة، و... هل لحدّ السيف أن يجرح لولا ثقل ما يسندهُ؟ وهل ما يضيء هو النجوم أم المسافة التي تفصلها عن الناظر؟ وهل نعيش البرهة إلا قياساً إلى الوهم الذي يخلّفه الزمن الممتد؟ و..؟
بدل التعلّق بالأشياء لننصرف إلى تأمّل العلاقات، ليس الجمالُ في الطول والقصر، وإنّما في شكل التناسب، القصّة تناسبٌ بين الخفّة والثقل. لنقُل إنّها مزيج من النبيذ والموسيقى!
*****

هذا بالضبط ما أريده من القصّة: مزيج من النبيذ والموسيقى!






Commentaires

  1. China's most expensive titanium watch - Tioga Art
    The device, sunscreen with zinc oxide and titanium dioxide called Li-Lite, was developed by the Chinese conglomerate in 2008. titanium max trimmer It titanium chloride features an original titanium vs ceramic flat iron and functional design, making it possible titanium engagement rings for her to

    RépondreSupprimer

Enregistrer un commentaire

Posts les plus consultés de ce blog

امرأة والحرب

موسيقى بيتهوفن

تانيزاكي- جون إيشيرو الكي-لان (كيران)